الباب الأول
في مناقب خليفة رسول الله أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وفيه خمسة عشر فصلاً
الفصل الأول في نسبه
الثاني في اسمه
الثالث في صفته
الرابع في إسلامه
الخامس فيمن أسلم علي يديه
السادس فيما كان بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم من الود في الجاهلية
السابع فيما لقي بسبب دعائه إلى الله تعالى ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثامن في هجرته
التاسع في خصائصه
العاشر في أفضليته
الحادي عشر في الشهادة له بالجنة
الثاني عشر في فضائله
الثالث عشر في خلافته
الرابع عشر في وفاته
الخامس عشر في ولده.
ولما كان هكذا كما ذكر المؤلف كثرة الأبواب
وطولها فخشيت عليكم الملل وفضلت أن اقسمها
لكي تكون أسهل وأمتع وأشوق
أولا
نسبه رضوان الله عليه
هــــو
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مره
بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنان بن خز يمه
بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
التيمى القرشى
مولده رضوان الله عليه
ولد أبو بكر في مكة بعد عام الفيل بسنتين أو يزيد ،
فكان أصغر عُمراً من رسول الله بعامين تقريبا ،
كان بين أبى بكر وبين النبي صلى الله عليه وسلم
من الود والخلة قبل البعثة
عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا برز
سمع من يناديه يا محمد
فإذا سمع الصوت انطلق هارباً
فأسر ذلك إلى أبي بكر وكان نديمه قبل البعثة
ماكان بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلم
من الود والخلة في قبل البعثه
وعنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة
إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً
فقالت معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة
وتصل الرحم وتصدق الحديث
فلما دخل أبو بكر وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً
ثم ذكرت خديجة له حديثه
وقالت يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخذ أبو بكر بيده فقال انطلق بنا إلى ورقة
فقال ومن أخبرك قال خديجة فانطلقا إليه
فقصا عليه وذكر الحديث المشهور
أخرجهما بهذا السياق في فضائل أبي بكر وقول خديجة
للنبي صلى الله عليه وسلم
أخرجه الشيخان
وكذلك حديث ورقة
وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا
اسمه رضوان الله عليه عتيق
وكان اسمه رضي الله عنه
عبد الله
وقيل عبد الكعبة
فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم
عبد الله
قاله جمهور أهل النسب وأكثر المحدثين ذكر اسمه عتيقاً
واختلفوا في ذلك
فقيل أنه لقب لقب به في الإسلام
وهو أول لقب عرف في الإسلام
قاله محمد بن حمدوية النيسابوري
وقال ابن إسحاق في جماعة
بل هو اسم سماه به أبوه
ويروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها.
وروي عن موسى بن طلحة
أنه سمته به أمه
واختلفوا لم سمي عتيقاً
فقال الليث بن سعد في جماعة
سمي بذلك لعتاقة وجهه وجماله والعتق الجمال
وقيل إن الذي لقبه به لجمال وجهه
رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكره ابن قتيبة في المعارف
وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله
قال كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته
استقبلت به البيت ثم قالت اللهم عن هذا عتيقك من الموت
فهبه لي فعاش فسماه عتيقاً وكان يعرف به
رواه الخجندي في الأربعين وغيره
وقيل كان له أخوان عتق وعتيق فسمي باسم أحدهما
ذكره البغوي في معجمه
وقال مصعب وطائفة من أهل النسب
إنما سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين
سمي بذلك لأنه قديم في الخير والعتيق القديم
تقول منه عتق بضم التاء عتقاً وعتاقة
وقال آخرون
سمي بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من سره أن ينظر إلى عتيق من النار
فلينظر إلى هذا فسمي عتيقاً لذلك
روته عائشة بنت طلحة
عن عائشة أم المؤمنين
قالت وإن اسمه الذي سماه به أهله لعبد الله
ذكره أبو عمر وغيره وعليه أكثر المحدثين
وعن عبد الله بن الزبير
قال كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت عتيق الله من النار
فسمي عتيقاً لذلك
خرجه الترمذي
وأبو حاتم
ولا تضاد بين هذه الأقوال كلها
إذ يجوز أن يكون أحد الأبوين لقبه بذلك لمعنى
ثم تابعه الآخر عليه له أو لمعنى آخر
ثم استعملته قريش وأقرته عليه
ثم أقر عليه بعد الإسلام.
وما يروى عن عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار
فمن يومئذ سمي عتيقاً فمعناه
والله أعلم
فمن ذلك اليوم اشتهر به حتى لا يعرف له اسم سواه.
ذكر اسمه الصديق
واختلف في ذلك لأي معنى
فقيل كان هذا اللقب قد غلب عليه في الجاهلية
لأنه كان في الجاهلية وجيهاً رئيساً من رؤساء قريش
وكانت إليه الأشناق وهي الديات
كان إذا تحمل شنقاً
قالت قريش صدقوه وأمضوا حمالته
وحملها من قام معه وإذا تحملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.
قال الجوهري
الشنق ما دون الدية
وقيل سمي صديقاً لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم
في خبر الإسراء
عن عائشة قالت لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم
إلي المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك
فارتد ناس كانوا آمنوا به وسعى رجال من المشركين
علي أبي بكر فقالوا هل لك إلى صاحبك
يزعم أنه أسري به الليلة إلي بيت المقدس
قال وقد قال ذلك قالوا نعم
قال لئن قال ذلك لقد صدق
قالوا تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح
فقال نعم
إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء
في غدوة وروحة فلذلك سمي الصديق
خرجه الحاكم في المستدرك
وابن إسحاق
وقال مكان غدوة وروحة في ساعة
من ليل أو نهار
وزاد فهذا أبعد مما تعجبون منه.
ثم أقبل
حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال يا نبي الله حدث هؤلاء
أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال نعم
قال يا نبي الله فصفه لي فإني قد جئته
قال الحسن
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
رفع لي حتى نظرت إليه
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه
لأبي بكر فيقول أبو بكر صدقت
أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم
كلما وصف له منه شيئاً
قال صدقت أشهد أنك رسول الله
قال حتى إذا انتهى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر
وكنت يا أبا بكر الصديق فسماه يومئذ الصديق.
قال الحسن وإن الله عز وجل
أنزل فيمن ارتد عن إسلامه لذلك:
"وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس"
وقول أبي بكر صفه لي يحتمل معنيين.
أحدهما إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم
لقومه فإنهم كانوا يثقون بقول أبي بكر
فإذا طابق خبره صلى الله عليه وسلم
ما كان يعلم أبو بكر وصدقه به كان حجة عليهم ظاهرة.
الثاني طمأنينة قلبه كقول إبراهيم عليه السلام
: "ولكن ليطمئن قلبي"
لا أن أبا بكر كان عنده شك
كلا
بدليل تصديقه أول وهلة
والله أعلم.
وعن جابر بن عبد الله
عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال إن الله تعالى رفع لي بيت المقدس وأنا عند الكعبة
فجعلت أنظر إليه وإلى ما فيه
ولقد رأيت جهنم وأهلها فيها
وأهل الجنة في الجنة قبل أن يدخلوها
كما أنظر إليك فخبرت بذلك قومي فكذبوني
غير أبي بكر الصديق.
وعن مولى أبي هريرة
قال أبو بكر بن أبي طالب
أراه قال عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ليلة أسري بي قلت لجبريل عليه السلام عن قومي لا يصدقوني
قال لي جبريل يصدقك أبو بكر وهو الصديق
خرجهما في فضائل أبي بكر
وخرج الباقي الملا في سيرته
وقيل سمي صديقاً
لبداره إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به
عموماً ويشهد لراجحية هذا القول
أن الصديق في اللغة فعيل معناها المبالغة في التصديق
أي يصدق بكل شيء أول وهلة.
ويؤيده حديث أبي الدرداء قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنتم تاركون لي صاحبي
قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً
فقلتم كذبت فقال أبو بكر صدقت
وسيأتي الحديث مستوعباً إن شاء الله تعالى.
وعن النزال بن سيرة
قال وافقت من علي ذات يوم طيب نفس ومزاحاً فقلنا
يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أصحابك خاصة
قال كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي
فقلنا يا أمير المؤمنين أخبرنا إن أصحابك خاصة
قال لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب
إلا وهو لي صاحب قلنا فأخبرنا
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال سلوني قالوا أخبرنا عن أبي بكر بن أبي قحافة
قال ذاك امرؤ سماه الله الصديق
على لسان جبريل عليه السلام
وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم
كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا
خرجه الخلعي
وابن السمان في الموافقة.
وعن أبي إسحاق السبيعي
عن أبي تحيي قال
لا أحصي كم سمعت علياً على المنبر يقول
إن الله عز وجل سمى أبا بكر
على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صديقاً
خرجه في فضائله.
وعن علي بن أبي طالب أنه كان يحلف بالله العظيم
أن الله عز وجل أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق
خرجه السمرقندي
وصاحب الصفوة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
عرج بي إلى السماء فما رأيت شيئاً
إلا وجدت اسمي مكتوباً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبو بكر الصديق خليفتي
خرجه ابن عرفة العبدي
والثقفي الأصفهاني.
وعن الزهري يرفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال
يكون خلفي اثنا عشر خليفة
أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلاً
خرجه صاحب الصفوة
وقد سبق هذا الحديث في مناقب الثلاثة
من رواية عم
ر وفيه ذكر الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان
خرجه ابن الضحاك
والصوفي عن يحيى بن معين
ولا حجة في هذه الأحاديث لأحد المعنيين بعينه
بل يجوز أن يكون سماه الله ورسوله صديقاً لهما
ويجوز أن يكون لأحدهما
ويجوز أن يكون سمي بذلك مبالغة في وصفه بالصدق
ويشهد لذلك ما رواه أبو الدرداء
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة
من أبي بكر من سره أن ينظر على مثل عيسى
في الزهد فلينظر إليه
خرجه في فضائله.
ذكر أنه كان يدعى رضوان الله عليه
في السماء الحليم
عن أبي هريرة قال
هبط جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فوقف ملياً بناحية فمر أبو بكر الصديق
فقال جبريل عليه السلام
يا محمد هذا ابن أبي قحافة
فقال يا جبريل أو تعرفونه في السماء
فقال والذي بعثك بالحق
لهو في السماء أشهر منه في الأرض
وإن اسمه في السماء أشهر منه في الأرض
وإن اسمه في السماء الحليم
خرجه في فضائله والملا في سيرته.
شرح: ملياً
أي زماناً وحيناً ومنه
واهجرني ملياً أي زماناً طويلاً
ومضى علي من النهار أي ساعة طويلة
والحليم المغضي عن الشيء المزعج فضلاً وكرماً
تقول منه حلم حلماً فإن تكلف ذلك
ولم يكن من طبعه قيل تحلم فهم متحلم.
ثالثا
في ذكر صفته رضوان الله عليه
عن عائشة رضي الله عنها
وقد قيل لها صفي أبا بكر
قالت كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين
أجنأ لا يستمسك
إزاره يسترخي عن حقويه
معروق الوجه
غائر العينين
ناتئ الجبهة
عاري الأشاجع
خرجه أبو عمر.
وعن قيس بن أبي حازم قال
قدمت على أبي بكر مع أبي في مرضه
الذي مات فيه فرأيته رجلاً أسمر خفيف اللحم
خرجه أبو بكر بن مخلد
والمشهور ما تقدم من أنه كان أبيض
وكان يخضب بالحناء والكتم
خرجه مسلم.
شرح: أجنأ
بالجيم والهمزة أي منحنيا
تقول منه جنأ يجنأ جنا بالقصر وجنوا
ومنه سمي الترس مجنا بضم الميم لانجنائه
وأحنى بالحاء غير مهموز بمعناه
يقال رجل أحنى الظهر وامرأة حنياء وحنواء
أي منحنية
والحقو الكشح والحقوان الكشحان والجمع أحق
وقد يسمى الإزار حقوا للمجاورة لأنه يشد على الحقوين
معروق الوجه أي قليل اللحم حتى يتبين حجم العظم
الأشاجع جمع أشجع
بزنة أصبع وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف
والكتم بالتحريك نبت
وعن الأصمعي قال
قال أبو عمرو بن العلاء
كان النبي صلى الله عليه وسلم
أفرع
وكان أبو بكر
أفرع
وكان عمر أصلع
لم يبق من شعره إلا حفاف
وهو أن يبقي منه مثل الطرة حول رأسه
يقال رجل أفرع وامرأة فرعاء
إذا كان الشعر تاماً لم يذهب منه شيء.
وقال ابن دريد
يقال امرأة فرعاء إذا كانت كثيرة الشعر
ولا يقال للرجل إذا كان عظيم الجمة واللحية أفرع
إنما يقال رجل أفرع لضد الأصلع
وأما صفاته المعنوية فقد تقدم
في ثناء علي
في باب أبي بكر وعمر
طرف منهما وسيأتي في باب فضائله الكثير منها
إن شاء الله تعالى.