اليسر ورفع الحرج :
وهذا مبدأ عظيم في الشريعة شامل لجميع الأحكام الشرعية لا يقتصر على باب دون باب وهو وسيلة تعين على تحقيق الهدف الذي من أجله خلق الله الإنسان ألا وهو عبادة الله وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .
وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم قررت مبدأ اليسر ورفع الحرج منها:
1 - قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
2 - قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
3 - قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ .
4 - قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ .
( الصفحة رقم: 130)
5 - قال تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ .
واليسر ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية راجع إلى الوسطية والاعتدال في الدين الإسلامي الثابت بقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
وكلما كان العمل بعيدا عن الإفراط والتفريط وافق أحكام الشرع .
والحرج الذي نصت الآيات المذكورة على رفعه هو كل أمر أدى إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حالا أو مآلا . أما ما كان فيه مشقة معتادة فإنه لا حرج فيه لأنه لا يخلو حكم تكليفي من نوع مشقة لكنها محتملة ومن هنا سمي الحكم تكليفيا بل حتى المتع الدنيوية المحضة لا بد فيها من نوع مشقة فمن أراد أن يذهب في رحلة هو أولاده يلزمه إعداد الطعام والشراب ووسيلة النقل وتهيئة مكان مناسب . . إلى غير ذلك . إلا أنه يجب أن نلاحظ أن المشقة غير مقصودة في الفعل لذاتها بل المقصود امتثال ما أمرنا الله به واجتناب ما نهانا عنه ولعل الحكمة من اشتمال الفعل على نوع مشقة لتحقق الابتلاء ليتميز المطيع من العاصي والمحسن من المسئ كما أن في ذلك نوع تربية للنفس والبدن .
وإذا رافق الفعل مشقة زائدة فإن هذه المشقة تدفع بُعد النظر في سببها . فإن كانت من الفعل ذاته سقط وجوب الفعل أو حرمته إلى حين زوال المشقة . فلا يجب الصيام على المسافر ولا يجب الجهاد على الأعمى
( الصفحة رقم: 131)
والمريض والأعرج وتسقط حرمة الكفر عن المكره على النطق بها وتسقط حرمة أكل الميتة للمضطر .
وأما إذا لحق الفعل مشقة بفعل المكلف واختياره فقد نهاه الشارع عن ذلك كالنهي عن صوم الوصال وعن الرهبنة .
والخصائص التشريعية التي جاء بها القرآن وأكدها رسول الله - عليه الصلاة والسلام - هي التي جعلت العلماء من غير المسلمين يقفون في مؤتمراتهم الحقوقية وفي مجتمعاتهم الدولية يقرون بعظمة الإسلام وقيمة أحكامه التشريعية . ففي المؤتمر الذي عقدته شعبة الحقوق الشرقية في المجمع الدولي للحقوق المقارنة في كلية الحقوق في جامعة باريس للبحث في الفقه الإسلامي سنة 1951م: يقرر المؤتمرون في نهاية المؤتمر بالإجماع أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى فيها .