خصائص أحكام القرآن الكريم :
لأحكام القرآن خصائص كثيرة سأقتصر على ذكر خاصيتين منها:
الأولى: المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان .
الثانية: اليسر ورفع الحرج .
المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان :
وأعني بالمرونة هنا المقدرة على إعطاء الحلول لكل مشكلة تطرأ في حياة الناس في كل بيئة وعصر وبيان حكم الشرع في كل نازلة تستجد .
والسر في مرونة الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان أن الإسلام جاء بقواعد كلية وقيم ومبادئ ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ثم وجه العلماء للنظر والاجتهاد في المسائل والحوادث الجزئية التي تستجد في إطار هذه القواعد والمبادئ ومن هنا لا تستجد مسألة إلا ولها حكم في الشريعة .
وقد يظن إنسان أن أحكام الإسلام تتغير وتتبدل بتبدل الأزمان والبيئات ويؤيد ظنه هذا بالقاعدة الفقهية: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان) .
وهذه القاعدة ليست على عمومها وإطلاقها فالأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام الاجتهادية التي لا نص فيها بل دليلها القياس أو المصلحة . أما القواعد الكلية والمبادئ العامة والأحكام الجزئية التي ورد فيها نص فإنها لا تتغير ولا تتبدل كوجوب أداء الأمانات إلى أهلها ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوب رد المظالم إلى أهلها وحرمة السرقة والغش والربا وحرمة بيع المسلم على بيع أخيه فإن هذا كله لا يدخله التغيير أو التبديل لكن قد تتغير الوسائل وأساليب التطبيق .
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 128)
فوسيلة حماية الحقوق هي القضاء وهذا لا يتغير ولا يتبدل لكن هل يتولى الأمر قاض واحد أو أكثر فهذا مما يمكن أن يندرج تحت القاعدة المذكورة فيتغير بتغير الأزمان فيجعل ثلاثة قضاة بدلا من واحد لفساد ذمم الناس .
ومن أمثلة ذلك أيضا أن الإسلام جاء بمبدأ عام في الشورى فقال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ . وقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ .
فهاتان الآيتان قررتا حكما وهو مشروعية الشورى ووجوبها ، لكن جاءت بأسلوب مرن بحيث يمكن أن يتغير أسلوب الشورى من عصر إلى عصر فلم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أناس متفرغون لهذا الأمر ويمكن في عصرنا أن يخصص ولي الأمر عددا من العلماء ويفرغهم للمشورة وهذا لا يعني تغيير الحكم وإنما الذي تغير وسيلة التطبيق وهذا كله انطلاقا من اختيار الوسيلة التي تحقق المقصد الشرعي للحكم وهو جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها .
ومن أمثلة الأحكام التي يمكن أن تتغير تبعا لتغير عرف الناس لاختلاف الأزمان والبيئات : :
1 - تقسيم مهر المرأة إلى معجل ومؤجل في الزواج ومقدار كل قسم إذا لم ينص عليه في عقد الزواج يحكم فيه العرف . وهذا قد يتغير من زمان لآخر ومن مكان لآخر .
2 - تضمين الوديع الوديعة بالتعدي أو التقصير وهذا الحكم لا يتغير ولا يتبدل . لكن يرجع إلى العرف لتحديد معنى التعدي أو
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 129)
التقصير في الحفظ وهذا يختلف باختلاف الأزمان والأماكن .
3 - إعطاء البائع والمشتري خيار الرد للعيب وهذا حكم ثابت لا يتبدل أما ما يعد عيبا وما لا يعد فهذا يتغير بتغير الأزمان والأماكن .